تعرض د.طارق سيف في مقال له لهذا النداء عندما كتب قائلاً:-
يُوجََّه هذا النداء عادة إلى العسكريين حتى يركزوا كل جهودهم الفكرية والقتالية ضد هذا العدو للقضاء على تهديده ومخاطره، ولكننا اليوم أصبحنا في حاجة لأن يعرف كل وطني مخلص غيور على وطنه ومصالحه من هو العدو، بعد أن أصبح العدو داخلنا وفينا ومنَّا، وهو أمر يجب أن يتنبَّه له كل مواطن من شعب لبنان والعراق وفلسطين والسودان، فلم تكن إيران أو إسرائيل أو حتى الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك دول الجوار، قادرة على أن تثير الفتنة الداخلية، وتشجع الصراع الداخلي بين موزاييك التركيبة الاجتماعية لشعوب هذه الدول، لولا وجود "العدو الداخلي" من بيئة داخلية مفككة ومناخ سياسي ملوث يسمح لهم بذلك.
يجب على هذه الشعوب والمجتمعات تحديد عدوها الحقيقي بدقة، والتعرف على أهدافه ومصالحه دون مواربة حتى يمكن مواجهته، والوقوف ضده، والتعاون للقضاء عليه. لقد ظهر "العدو" في شكل صراع على فرض المصالح الشخصية الضيقة لبعض الزعامات وسعيها إلى كرسي السلطة دون أي مبالاة بالوطن ومصالحه العليا، واستبدال روح الوطنية وحقوق المواطنة بمكاسب سياسية رخيصة وآنية، تكون بالتأكيد سبباً للفرقة وتفكك اللحمة الشعبية التي استمرت عقوداً من الزمن، وتمنح الفرصة لتدخل مختلف الأطراف الإقليمية والدولية في الصراعات الداخلية وإدارتها لتحقيق مصالحها على حساب الجميع... الوطن والمواطنين.
من الواضح أن الكيل قد فاض في لبنان وبات ينذر بحرب أهلية طاحنة، بدأت شرارتها في الاشتعال، وكذلك حال الانقسام بين الأهل في فلسطين الذين ساعدت فرقتهم على قيام إسرائيل بتصفية المقاومة في الضفة الغربية وغزة، وفي السودان حيث الإخوة الأعداء الذين اتفقوا على ألا يتفقوا، أما في العراق فقد بدأت الحرب الأهلية منذ سنوات ولا يعلم نهايتها إلا الله سبحانه وتعالى.
لم يدرك كثيرون حتى الآن من هو العدو الحقيقي لأوطانهم، لأنهم ربما لو فعلوا ذلك لاستطاعوا الاتفاق على حل مناسب للمأزق الراهن، ولتوصلوا إلى صيغة مناسبة للتعايش السلمي، ولأمكنهم حماية الوطن من التمزق والفرقة، والوقوف ضد المؤامرات الخارجية التي تحاك لهم، وعدم السماح للآخرين بتحقيق مصالحهم بالوكالة عن طريق إذكاء الصراعات الداخلية.
ليس العسكريون وحدهم هم المطالبين بالتعرف على العدو وتحديد قدراته وإمكانياته ومخاطره ونواياه واتجاهات هجومه، بل بات على كل فرد في المجتمع، مهما كان انتماؤه العرقي والطائفي، أن يتعرف على هذا العدو، لأن معرفته هي المخرج الوحيد من الأزمات والمصائب التي حلت بهذه الدول. ومن عجائب القدر أن الجميع يطالبون بالحل، بل إن بعضهم يعلن في جرأة يُحسد عليها قبوله التسوية السلمية، إلا أنه في الوقت ذاته يتستر تحت شروط ومطالب تصاعدية تعني ضمنياً رفض كل الحلول والتسويات المطروحة، سواء أتت من الداخل أو الخارج، بغض النظر عن مدى عدالتها أو ظلمها، وكان من الأولى بدلاً من طرح المطلب تلو الآخر، والتصعيد المستمر للمواقف بلا سقف محدد، والاعتراض بغرض التسويف، أن تكون هناك وقفة لحساب الذات، وليس جلدها، فهذا الحساب سيقود بالضرورة إلى التعرف على العدو الحقيقي الذي يجب قتاله.